حياٌة أدبًا "الثقافةُ لا تُشرى ولا تُباع" ألسَّأَّال-ناجي نعمان (لبنان)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
حياة أدبا

حياٌة أدبًا
"الثقافةُ لا تُشرى ولا تُباع"
ألسَّأَّال

  ناجي نعمان    

مِن
نافِذَةِ فِكري دَنَتْ فَراشَة،
وعلى يَراعَتي حَطَّت، برتقاليَّةً؛
رَفْرَفَتْ كما الرَّحمَة،
لا الموسمُ رَبيعٌ، ولا غرفتي الجنَّة،
وإنَّما ذِهني تَفَتَّق،
فكانَ: لِمَ، لَيتَ، مَتى؟
كانَ: هَل، لَعلَّ، عَسى؟
كانَ "السَّأَّال"

فَلِمَ
أَتَتْني فَراشَة، وليسَ زرافَة؟
لِمَ حَطَّتْ على يَراعتي، لا على مِخَدَّتي؟
لِمَ رَفْرَفَتْ كما الرَّحمَة، لا كما النَّسيم؟
ثمَّ، لِمَ أَتَتْني أصلاً،
ولَمْ أَذْهَبْ، أنا، إليها؟
وقبلَ كلِّ شَيء،
أَهيَ مَوجودةٌ أساسًا،
وأنا، أَمَوْجودٌ أنا؟

وَمَن
يا تُرَى، دَعاني باسمي؟
ولِمَ، يا تُرَى،
لَمْ يَدْعُني باسم غَيري؟
لَيْتَه دَعاني بِاسمِ اللاَّزَوَرْد، بِاسمِ الرَّياحين،
أو باللاَّإسم، لا فَرْقَ،
إذْ هَل من ضرورةٍ لإِسم؟

وأَعيشُ
في المَكان، وأُحِسُّ الزَّمان،
فلِمَ لا أُحِسُّ المَكانَ، وأعيشُ في الزَّمان؟
ثمَّ، ألا حَياةَ خارجَ هذَين؟

ولِمَ،
رَضيعًا،
لا أَتَمَتَّعُ بنَشاط الشَّباب،
وشابًّا، بنَجاح الكُهولة،
وكَهلاً، بحِكمة الشَّيخوخة،
وشَيخًا، بحَنان الرِّضاعة؟
ثمَّ، لِمَ لا أَتَمَتَّعُ بالعَكسِ،
أو بغَيره؟

وأَأَبيضُ،
أم أسودُ، أم ما بَينَ بَين،
أَأَصفرُ، أم، حتَّى، أخضرُ،
ولِمَ لا أزرق؟

أَيَهُمُّ هذا؟
أَرَجُلٌ أمِ امرَأة،
عربيٌّ أم أعجَميّ،
مؤمنٌ أم مُلحِد،
غَنيٌّ أم فَقير؛

أَيَهُمُّ هذا،
وما يَجْمَعُ البَشَرَ الإنسان؟

وأَمْشي
على رِجلَيَّ،
فلِمَ لا أَمْشي على رأسي؟
وأُفَكِّرُ بدماغي،
ولِمَ لا برِجْلي،
أو بالـ "دِمارِجْل"*؟
ولِمَ أمْشي وأُفكِّرُ أساسًا،
ولا "أَتَدَمَرْجَل"*، أو "أَتَرَجْدَم"*؟

* كلمةٌ نحتَها المؤلِّفُ من الدِّماغ والرِّجل، فالفِعلُ منها، فالفِعلُ عَينُه بتقديم الرِّجل على الدِّماغ.

ونَظَري،
يَحْجُبُه الحاجِزُ، والمَدى،
وسَمْعي،
تَحُدُّه المَسافةُ، والصَّدى؛
فلِمَ الحَواسُّ مَحدودة،
ولِمَ ستَبْقى، مَهما أَوْصَلَتْها التِّقْنِيَّاتُ،
مَحدودة؟

والهواءَ
أَتَنَشَّق، والماءَ أَشْرَب،
والطَّعامَ أَتَذَوَّق، والعالَمَ أَشْهَد،
والكلماتِ أَقْرَأ، والأصواتَ أَسْمَع؛
أَفَهَواءً أتَنَشَّق؟ أَماءً أَشْرَب؟
أَطعامًا أَتَذَوَّق؟ أَعالَمًا أَشْهَد؟
أَكلماتٍ أَقْرَأ؟ أَأَصواتًا أَسْمَع؟
أنفٌ، لِسانٌ، عَينٌ، أُذُنٌ، حَواسّ،
منذ الولادة وحتَّى المَمات،
وأسئلةٌ، أوَّلُها:
لِمَ لا أَتَنَشَّقُ التُّراب، أوِ الـ "ضَرضَر"*؟
ولِمَ أَتنشَّقُ أساسًا، ولا "أتَضَرْضَر"*؟

* كلمةٌ مُختَلَقَةٌ لا معنًى لها، فالفِعلُ منها. مع الإشارة إلى أنَّ باحثين في جامعة أُكسْفُرد البريطانيَّة كَشَفوا، عامَ 2009، وبعد كتابة المؤلِّف نصَّه هذا بخمسة أعوام، أنَّ نسبةَ واحدٍ في المئة من البَشَر قادرةٌ على الاستماع إلى الأشكال وتذوُّق الأصوات!

وأينَ
الكَونُ، أينَ حدودُه، وأينَ "ضواحيه"؟
وما أَكونُ، أنا، فيه،
وبالأحرى، ما يَكونُ، هو،
في الَّذي كانَ، وسيَكون؟

ونوبلُ،
لا تَجْزَعْ،
ها إنِّي أُعْتِقُكَ ممَّا اكتَشَفْتَ،
فبالماء نَحْيا، وفيه نَموت،
وكلُّ خَيرٍ يُخْفي شَرًّا؛
وإنَّما الحِسابُ بالنِّيَّات،
وإنْ لا حِسابَ.

هذا ما أقْتَرِح،
أَفلا يَسوغُ لي أنْ أَقْتَرِح؟

وحتَّى
أنتَ، أيُّها المُعَذِّب،
أُعْتِقُكَ من أَذِيَّة المُعَذَّب،
وربَّما من لَذَّته،
فلا حِسابَ، كما قُلْتُ،
وإنْ حَبَّذْتُ اللَّذَّةَ على الأذِيَّة

وأنتَ،
أيُّها العِلمُ،
مَتى أَتَيْتَ من دون رَحمة،
تَحَوَّلْتَ عُنفًا؛
وأنتِ، أيَّتُها الرَّحمة،
مَتى أَتَيْتِ من دون عِلم،
تحوَّلتِ ضُعفًا؛
فلِمَ لا تأتيان معًا، عِلمًا ورَحمةً،
وتَتَحوَّلان قوَّةً وأمانةً،
تَتَحوَّلان أَنسَنَة؟

وأَسْأَلُ
عن الحياة، عن المَوت،
عمَّا بينهما، عمَّا قبلَهما، وبعدَهما،
الحياةُ سعادةٌ، أَسْمَع، والمَوتُ شَقاء،
وأَجِدُ المَوتَ نهايةً سَعيدة،
وأَطْرَح: لِنَعِشْ في هَناءِ السَّلام،
ولْنَمُت في سلامِ الهدوء؛
أفَلا أَطْرَح؟

وأَدْعو
إلى الأَخذ بالرُّوحانيَّات،
وإلى أقصى الحدود،
وإلى الأَخذ بالجَسَديَّات،
وإلى أقصى الحدود،
فالحَياةُ، هَذي الحَياة،
في حاجةٍ إلى الأقصى،
حتَّى في المُتضادَّات؛
أفَلا أَدْعو؟

وأَكتُبُ
باليَراعَة، كلماتٍ من أحرف،
وبالرِّيشَة أَرْسُمُ  لوحةً من ألوان،
والصَّخرَ بالإزميلِ أَنْحَت،
والوَتَرُ بين يَديَّ ألحان،
ولكن، ماذا بعدَ اليَراعَة،
بعدَ الرِّيشَةِ والإزميلِ والوَتَر؟
ماذا عَدا اليَراعَة،
عَدا الرِّيشَةِ والإزميلِ والوَتَر؟
ماذا لَوْلا هُمُ؟
وماذا عمَّا بعدَهُم وعَداهُم؟
أَيُمْكِنُ أنْ أَسْأَل؟

ثمَّ،
أمسِ، اليومَ، غدًا،
زَمنٌ لا تحديدَ له؛
هنا، هناك، هنالك،
مكانٌ يَتَبَدَّلُ بحَسَب زمانٍ غير مُحَدَّد،

وإنسانٌ، بل أُناسٌ،
كلٌّ منهم يَعيشُ الزَّمانَ والمَكانَ على طريقته،
فيما الأكيدُ: اللاَّتَحديد؛
والعَظيمُ: اللاَّتَحديد!

ورَوابِطُ
هي، إنسانيَّةٌ،
مَتى وُجِدَتْ غَدا للمَوت، حتَّى، مَعنًى؛
ومن دونها، لا يَعودُ، حتَّى للحَياة، مَعنًى؛
من دونها، قد نَمْلِكُ كلَّ شيءٍ، ولا نَمْلِكُ شيئًا؛
ومعها قد لا نَمْلِكُ شيئًا، ونَمْلِكُ كلَّ الشَّيء.
هذا ما خَلَصْتُ إليه،
أَفَلا يَجوزُ لي أنْ أَخْلُصَ إلى هذا؟

ألبارحةَ،
أَكانَ خَلقٌ؟
ولِمَ لَمْ يَكُنْ قبلَ غَد؟
أَتُراهُ كانَ أصلاً،
أم سيَكونُ غَدًا؟
أَجاءَ هكذا؟
ولِمَ لَمْ يَكُنْ كذلك،
أم غيرَ كذلك؟

وتُشْرِقُ
الشَّمسُ، وتَغيب، والأرضُ تَدور؛
أفلا يحقُّ لي أن أسألَ هَل، ولِمَ، ومَتى؟
وأتمنَّى ليتَ، ولعلَّ، وعَسى؟

وعندما
يَنْعَتِقُ الإنسانُ، يَموتُ، يَنْدَمِج،
فلِمَ يَكونُ عليه، في حَياته ومَماته،
أنْ يَحْمِلَ خطيئةَ آدم، وجَريمةَ قايين؟
رسالةَ الأنبياء، وإرثَ الإنسانيَّة،
المؤرَّخَ ممَّا سَبَق، والمُخْتَلَق؟
لِمَ عليه أنْ يَحْمِلَ، حتَّى، أخطاءَه ومَحاسنَه؟
لمَ لا يموتُ، ويَهْنَأ؟
بَل لِمَ لا يَموتُ فحَسب؟

وسَأَّالٌ
أنا،
فلِمَ أسْأل؟
ولِمَ السُّوألُ أصلاً،
وبعدَ كلِّ جَوابٍ سؤال؟

ومُسالِمًا
لِمَ لا أَكونُ، وأَبْقى؟
ومُسالِمين، لِمَ لا نَكونُ، ونَبْقى،
ومُتعاضِدينَ نَصير،
فنَرْتاحَ معًا من السُّؤال، وهَمِّه،
ومن المَصير،
وإلى الهَناء نَسير؟



  من "المُسالِم" - الجُزءُ الأوَّل
©الحقوق محفوظة - دار نعمان للثقافة
  ناجي نعمان (لبنان) (2009-10-30)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

حياٌة أدبًا

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia